تأريخ

قصة إسلام "كارلوس ألبرتو"

رسالة الإسلام - خاص

الخميس 23 رجب 1430 الموافق 16 يوليو 2009 

كتب مقالاً عن الإسلام يتصفحه يومياً أكثر من 4 آلاف قارئ الإسلام يتصفحه يومياً أكثر من 4 آلاف قارئكتب مقالاً عن الإسلام يتصفحه يومياً أكثر من 4 آلاف قارئ

حوار: جمال عفيفي

في قصص اهتداء غير المسلمين لدين الحق عِبَرٌ لأولي الألباب، منها أن هذا الدين هو دين الفطرة، ومنها تقصير المسلمين في دعوة الناس كافة، ومنها أن هناك الملايين وقد يكون المليارات من البشر لم يسمعوا بهذا الدين إطلاقا أو أن الصورة التي نقلت لهم هي الصورة التي روج لها الإعلام العالمي الخاضع للأيدي اليهودية من ربط الإسلام بالإرهاب.

قابلناه في الرياض وحكى لنا قصته من البداية فقال:

أنا أخوكم عيسى من المكسيك، وبالتحديد من العاصمة "مكسيكو سيتي" واسمي السابق "كارلوس ألبرتو" أسلمت قبل عشر سنوات، فقد كنت نصرانيا. كان عمري وقتها 18 عاما، وكنت أدرس في الثانوية.

أبي كان يعمل مديرا في إحدى الشركات التي تبيع أجهزة الكومبيوتر وأمي ربة منزل، ولي 3 إخوة ذكور وأخت واحدة.

كنا أسرة متدينة ومترابطة، ووضع الأسرة في أمريكا الجنوبية يختلف عن وضع الأسرة في أوروبا مثلا وإن كان الجميع نصارى، لكن الأسرة مهمة جدا في أمريكا الجنوبية.

سبب الهداية

عندما كنت في الثانوية كان لي صديقة تأثرت بجارها الذي كان من عبدة الشيطان الذين يتميزون بلبس السواد، وقد لاحظت تغير أخلاق صديقتي، مثل عدم الضحك، وذات مرة كان معها كتاب عن بدء الخلق، وفي الكتاب أن الملائكة كانوا قبل كل شيء، وكانت كلها على شر، وأن الله – سبحانه وتعالى عما يقولون – كان واحدا منها ثم أهلك الملائكة وخلق الخير، فقلت لها ليس هذا هو الحق، وفكرت في نفسي كيف أرد على هذا، ورجعت إلى بيتي وسألت أبواي: أين "الكتاب المقدس"؟

وقرأت في بدايته عن بدء الخلق وأن الله خلق الله السماوات والأرض، وأعجبني الكتاب فرغم أني كنت نصرانيا لم أقرأه من قبل، وقد مكثت سنتين في قراءة الكتاب (باللغة الإسبانية).

ثم بدأت أشعر بالتناقض لأن "الكتاب المقدس" قسمان: العهد القديم والعهد الجديد، ففي العهد القديم لا تجد عقيدة التثليث، ولا أن الأنبياء كانوا يعبدون عيسى، بل يوجد توحيد وشريعة، فالأنبياء كانوا يعبدون الله سبحانه، وحينها سألت نفسي: لماذا نحن النصارى نعبد عيسى ونؤمن بالتثليث ونطلب من مريم؟!

وكنت كلما قرأت العهد القديم امتثلت ما فيه من أوامر، مثل إعفاء اللحية وتحريم الخنزير وتحريم التصوير وقمت بإخراج الصور المتعلقة بالدين النصراني من البيت، فما فهمته من العهد القديم أن الله واحد، وفي هذا الوقت لم أكن أعرف شيئا عن الإسلام.

وكان أمامي خياران إما النصرانية وإما اليهودية، فالباقي أديان باطلة.

ولكن المشكلة أن اليهود لا يقبلون أن تكون يهوديا، وراسلت أحد رجال الدين اليهودي ورد علي أنه لا يمكن لأحد أن يكون يهوديا، وكنت في ذلك الوقت أرى أنهم على الحق لتأثري بالعهد القديم، فقد زاد إيماني بعد قراءته، ووقعت في حيرة، فاليهود لا يقبلوني، كما أنهم يبغضون عيسى، وأنا كنت ما زلت أحبه، ولكن ليس حب العبادة، وباقي فرق النصارى على نفس المنهج الباطل من التثليث وعبادة المسيح.

قاطعت الأخ عيسى: ولكن العهد القديم اشتمل على قصص مسيء جدا للأنبياء وصورهم قتلة ومرتكبين للفواحش وغادرين، بل ورد في العهد القديم تصوير لله سبحانه بما لا يليق بجلاله، فكيف تقبلت هذا؟

قال: الذي يقرأ الكتاب وهو نصراني عندما يجد أخطاء فإنه يتجاوزها، لأنه لا يوجد عنده بديل.

وتابع عيسى قائلا: ثم عندما ظهرت الإنترنت بدأت أبحث عن اليهودية، وأثناء البحث وجدت حوارا بين مسلم ونصراني، وكان المسلم دائما يقول للنصراني: "القرآن يقول كذا" "القرآن يقول كذا" فتساءلت ما هذا القرآن؟

وأنا كان عندي محل للأمور المكتبية وتصوير الأوراق، وكان يدخل عندي رجل يصور كتبا عن الأديان، فسألته: - هل تعرف القرآن؟

- فقال لي عندي خمس تراجم للقرآن الكريم.

- فقلت له: ائتني بها.

وفي أسبوع واحد كنت قد قرأت من سورة الفاتحة حتى سورة العنكبوت، وتساءلت: "من مؤلف هذا الكتاب؟" إنه يعرف كل شيء، وما فيه يوافق ما قرأته في العهد القديم، فالعقيدة واحدة، لكن حين تقرأ القرآن الكريم تشعر أنك أنت المخاطب بخلاف العهد القديم، وتساءلت من الذي يخاطبني، وعلمت أن هذا كلام الله سبحانه وتعالى وأنه الحق ولابد.

وكنت قبل معرفتي بالقرآن وصلت إلى اعتقاد أنه لا يوجد حق إلا ما أفكر فيه، وهو ليس اليهودية ولا النصرانية، لكن عندما قرأت القرآن عجبت، فهو يعرف كل شيء، يعرف كيف يفكر الإنسان ويشرح كل شيء له.

بعدها بحثت في الإنترنت عن المسلمين، ووصلت إلى رقم المركز الإسلامي في المكسيك وحضرت إلى المركز وأسلمت.

ذهب التناقض

ومن فضل الله أنني في الحوار الذي قرأته بيَّن فيه المسلم أن عيسى كان نبيا من الأنبياء، فلما قرأت ذلك قلت: "الآن ذهب التناقض" فعيسى عليه السلام كان واحدا من الأنبياء يعبد الله وبذا فقد ذهب التناقض.

في المركز الإسلامي

ذهبت لأسلم وكان المركز الإسلامي عبارة عن بيت مستأجر لتقام فيه صلاة الجمعة، وشرحوا لي أركان الإسلام، وعندما وصلوا إلى الزكاة قلت في نفسي "مثل النصارى سيأخذون أموال الناس" لكن عندما بينوا لي أنك تدفع زكاتك بنفسك لمن يستحق اطمأننت.

وصليت مع المسلمين الجمعة في هذا اليوم، كان ذلك في عام 1998م تقريبا، وكان عمري 18 سنة، وقال لي الإمام قبل أن تسلم تعلم المزيد عن الإسلام، لكنني أصررت على الإسلام.

داخل العائلة

كان أهل أمي متعصبين، فبنت خالي كانت قسيسة، وطلب منها خالي أن تأتي إليّ لتكلمني وناقشتها وأثناء حواري معها أسلمت أمي بفضل الله، ثم أسلم إخواني الثلاث، وبالمناسبة فإن الناس في أمريكا اللاتينية ليس بينهم وبين أن يسلموا إلا أن يعلموا ما هو الإسلام، ففي الإذاعة المكسيكية كان هناك برنامج قبل عشر سنوات فيه يسألون الناس: ماذا تعني كلمة إسلام؟

وكانت الإجابات الإسلام رقص، الإسلام رياضة، الإسلام طعام.

الرحلة إلى المدينة

ثم قضيت نحو سنتين بعد إسلامي في المكسيك قبل أن أتوجه للمدينة المنورة لأدرس في الجامعة الإسلامية، في هاتين السنتين قبل أن يسلم أهلي كانوا يتعجبون مني فقد كنت أصلي في البيت وأركع وأسجد، وكانوا يقولون: أمجنون أنت، ماذا تفعل؟!

سألت الأخ عيسى: هل يوجد أناس لم يسمعوا مطلقا عن الإسلام؟

فقال: كثيرون جدا، والذين سمعوا عن الإسلام لا يعرفون إلا طالبان والقاعدة، فالإعلام بيد اليهود، فمن أين للناس أن يعلموا عن الإسلام؟!

قلت له: فهذا يدل على تقصيرنا نحن المسلمين، فلو كان هناك قناة فضائية باللغة الإسبانية لأحدثت بإذن الله أثرا بالغا.

ورد علي: نعم بالتأكيد وبالمناسبة كان هناك مسلسل برازيلي يحكي قصة فتاة مغربية مسلمة تعيش في البرازيل، وكان المسلسل يحكي  واقع أسرة هذه الفتاة بين المغرب والبرازيل، وبسبب هذا المسلسل أسلم الكثيرون في البرازيل، ومنهم من أسلم وجاء مثلي إلى المدينة ليتعلم العلم الشرعي بسبب المسلسل.

ويواصل عيسى قائلا: في عام 2000م قابلت مندوبين من الجامعة الإسلامية في المركز الإسلامي، وقدمت أوراقي لهم وجاء الرد بالقبول بعد سنة، وبعد وصولي المدينة بأربعة أيام وقعت أحداث 11 سبتمبر الشهيرة.

عند وصول الأخ عيسى إلى المدينة للدراسة في الجامعة الإسلامية لم يكن يوجد غير ستة طلاب فقط قادمين من أمريكا الجنوبية، وكان عليه أولا أن يتخطى حاجز اللغة، فدرس اللغة العربية في معهد تابع للجامعة لمدة ثلاث سنوات.

يقول عيسى: لم أستطع فهم ما أسمع من اللغة العربية إلا بعد سنة، حينها بدأت أسمع الأشرطة المسجلة وهذا ساعدني كثيرا، وبعد سنتين بدأت أحضر دروس الحرم، ولم أكن أفهم إلا دروس الشيخ أبي بكر الجزائري، لأنه يتكلم بلغة سهلة، وفي السنة الثالثة حضرت عند الشيخ عبد المحسن العباد.

ويذكر عيسى الكثير من إخوانه المسلمين الذي ساعدوه، ومنهم أحد مدرسيه في المعهد الذي عرض عليه المساعدة، فطلب منه عيسى قاموسا "إسباني – عربي" فلما حصل عليه كان كأنه حصل على كنز.

في هذه السنوات الثلاث الأول كان يعود عيسى في الإجازة إلى المكسيك، وفي إجازة السنة الثانية بدأ عيسى نشاطه الدعوي حيث أنشأ أمام بيته مكتبة دعوية،ووضع إعلانا أن التعريف بالإسلام هنا، وكان الناس يحضرون ويسألون عن الإسلام، وكان منهم فتاة عمرها 14 سنة سألت عن الإسلام وانصرفت، ولم يعلم عنها شيئا وبعد أربع سنوات عاد إلى المكسيك ليجدها مسلمة ويتزوجها.

كذلك بدأ عيسى الترجمة بعد الثلاث سنوات الأولى، فقد بدؤوا إخراج مجلة إسلامية في أمريكا اللاتينية وطلبوا من عيسى أن يساعد في الترجمة، فترجم "رسالة" في الاعتصام بالكتاب والسنة للشيخ سعيد القحطاني.

يقول عيسى: وواصلت الترجمة وكنت أتعاون مع مجمع الملك فهد، وهذه المرحلة كنت فيها في السنة الأولى من كلية الشريعة، وقد بدأت منذ السنة الأولى – أعني في الإجازة الصيفية – عمل دورات تعليمية مع بعض الإخوة نُدرس فيها مبادئ الإسلام واللغة العربية في المكسيك، في السنة الأولى بدأنا تدريس الحروف العربية ولم تمر سنتان حتى تعلم من حضر القراءة بالعربية.

هذه الدورات كنا نقيمها في مكان خارج العاصمة مكسيكو سيتي، وهذا المكان مجهز بمسجد وغرف للسكن ومسبح وملعب، وقد أسسه الأخ عمر وستون وهو بريطاني الأصل لكنه أتى للمكسيك منذ الصغر وقد درس في الجامعة الإسلامية لمدة سنة ونصف، ثم عاد إلى المكسيك وكان أول داعية للإسلام في المكسيك وهو الذي أسس المركز الإسلامي في العاصمة، ثم نقله خارج المدينة ليستطيع توسيعه وليستفيد منه كل القادمين من أمريكا الجنوبية وليس المكسيك فقط.

وفي الدورات كنا نعقد دروسا بعد كل الصلوات، منها دروس للغة العربية والعقيدة والفقه والحديث، يقوم بالتدريس فيها عمر وستون وأنا.

في السنة الثالث من هذه الدورات انضم إلينا أخ فاضل من الأرجنتين هو أفضل الدعاة في أمريكا اللاتينية اسمه "عيسى غارسيا" تخرج من جامعة أم القرى وله ترجمات عديدة وأسلم على يديه الكثيرون، كذلك نذكر من دعاة أمريكا اللاتينية "يحيى سوكيّا" من الإكوادور، ولا يعرف أحد قبله أسلم في الإكوادور، وفي بنما هناك الشيخ "عبد الخبير محمد".

ويواصل عيسى قصته قائلا: في إجازة السنة الثالثة من الكلية تزوجت في المكسيك ولي الآن ولد عمره عشرة أشهر سميته إسماعيل.

يقول عيسى: بعد ذلك شاركت مع عدة مواقع مثل "إسلام هاوس" و"الإسلام سؤال وجواب" وقمت بترجمة مجموعة من الكتب مثل "نواقض الإسلام" و"القواعد الأربع" للشيخ محمد بن عبد الوهاب مع شرح الشيخ الفوزان، و"العقيدة الواسطية" لشيخ الإسلام ابن تيمية مع تعليقات الشيخ الفوزان، ومتن "العقيدة الطحاوية" وكتاب "رفقا أهل السنة بأهل السنة" للشيخ عبد المحسن العباد.

سألت الأخ عيسى عن أشهر المترجمين للكتب الشرعية إلى اللغة الإسبانية فقال: "عيسى غارسيا" الذي تحدثنا عنه ورجل من بوليفيا اسمه "أنس كيبيدو" تخرج كذلك هو وأخوه من الجامعة الإسلامية، وقد قام الثلاثة كفريق عمل بترجمة سلسلة كتب في العقيدة للشيخ عمر الأشقر، وفتح المجيد شرح كتاب التوحيد، وبلغ عدد الكتب التي ترجموها عشرين كتابا.

وقد ذكر عيسى أنه أنشأ "blog" باللغة الإسبانية سماه حقيقة الإسلام يكتب فيه المقالات، وجمع فيه الكتب التي ترجمت ومقاطع الفيديو الدعوية.

أما مشاركاته في المواقع الأخرى فهي بالترجمة أو مراجعة الترجمة، كذلك ذكر عيسى أنه استطاع أن يمسح ما كُتب بصورة خاطئة عن الإسلام في موسوعة "ويكيبديا" حيث كانت مقالة منشورة مليئة بالأخطاء اللغوية والعقدية، فنشر تعريفا صحيحا بالإسلام مكان تلك المقالة، وبالمناسبة فإن أهمية موسوعة "ويكيبديا" تكمن في أنها أول نتائج البحث حين يكتب الباحث كلمة "islam" وهذا المقال الذي كتبه عن الإسلام يتصفحه يوميا ما بين (3500) إلى (4500) شخص.

 

سألت الأخ عيسى: ما الذي تحتاجه الدعوة إلى الإسلام في أمريكا الجنوبية؟

فقال: أولا: هناك نقص في الدعاة وقد وجد خريجون من الجامعة الإسلامية ولكن لعدم وجود من يكفلهم انشغلوا بأمر طلب الرزق عن الدعوة.

ثانيا: الدعم المالي، فمن يسلم هناك يكون من الشباب، وليس له مورد مالي ليحضر دورات التعليم أو التعلم في المدارس الإسلامية، كذلك أمر آخر فمن المهم أن تذهب الأموال التي خصصت للدعوة إلى أفضل الوجهات، فقد أنفق الملايين على بعض المساجد أو مباني المراكز الإسلامية، ولو أنها أنفقت في سبيل الدعاية وتصحيح الصورة الخاطئة عن الإسلام لكان أولى.

ويذكر عيسى عن "عمر وستون" أنه ذات مرة وضع إعلانا عبارة عن صورة ضخمة لمجموعة من المسلمين وهم ساجدون، وكتب عليها عبارة "العبادة لله" وذكر في الإعلان عنوان المركز الإسلامي ورقم الهاتف، وكان لهذا الإعلان أثر كبير على الناس، وهكذا ينبغي استغلال وسائل الإعلام الأخرى من إذاعة وتلفاز وإنترنت وكتب.

كذلك يلوم الأخ عيسى بعض العاملين في المراكز الإسلامية هناك، حيث إنهم لا ينشطون ويتحركون إلا إذا جاءت الجهة المسؤولة عن المركز، وباقي السنة يبقون في سكون، حتى إن هناك من الكتب والنشرات التي تحتاج فقط من يوزعها تجدها ملقاة في المستودعات. كذلك يلومهم في أن بعضهم يأتي للدعوة ويبقى سنوات طوالا دون أن يتعلم لغة الناس الذين من المفترض أنه أتى ليدعوهم ويتواصل معهم. ويقول أنه ينقصهم كذلك وجود مقبرة للمسلمين.

 وقد تخرج عيسى منذ ستة أشهر تقريبا في كلية الشريعة من الجامعة الإسلامية، وسيتولى حالياً مهمة الإشراف على موقع اللغة الإسبانية الذي سوف تطلقه شبكة "رسالة الإسلام" قريباً بإذن الله.

وذكر عيسى أن أمه جزاها الله خيرا تبرعت بقطعة أرض مقابل بيتهم ليقام عليها مركز للدعوة إلى الإسلام، وقد تم إنشاء ثلاثة طوابق حتى الآن، فبارك

الله فيه وفي أمه وفي كل من حمل هم الدعوة إلى الله.